الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية خـــلّــف عـــديــــد الضحــايا: خفايا ومعطيات صادمة عن البنج الفـاسـد

نشر في  10 أوت 2016  (10:35)

 بعد اتساع رقعة الجدل بشأن فضيحة قضية اللوالب القلبية منتهية الصلوحية خاصة بعد نشر قائمة فضحت الأطراف المتورطة من أطباء ومصحات، وبعد أن أجّجت هذه القضية الخطيرة غضب الشارع التونسي بكل أطيافه والذي مازال لم يخمد لهيبه بعد، فاجأنا القاضي ورئيس المرصد التونسي للقضاء، أحمد الرحموني، يوم الاثنين الماضي بفضيحة جديدة أشد وطأة من  الفضيحة الأولى التي أطلق عليها تسمية «صفقة البنح الفاسد» في ما يتعلق بمخدر «البروبوفول» التي ترتبت عنها ـ على مايبدو ـ وفيات عديدة تحت تأثير عمليات استعملت بنجا طبيا يفتقد للشروط الفنية السليمة من بينهم طفلة صغيرة وفق تصريحه.

وقال الرحموني في تدوينة كتبها على صفحته الخاصة على الفيسبوك إن تطورات هذا الملف ستكون مدوية وإن وقعها سيتجاوز «قضية اللوالب القلبية»، بحسب تأكيداته التي أشار من خلالها إلى انّ مكتب التحقيق عدد 4 والفرقة الأمنية المختصة (فرقة مقاومة الإجرام) تعهدا بملف صفقة البنج الفاسد الذي سيورط أطرافا عديدة سواء من الأطباء أو المؤسسات الطبية أو الحكومية، بحسب تعبيره.
وممّا زاد الطينة بلّة البلاغ الذي أصدره الاتحاد الشعبي الجمهوري بخصوص هذه الفضيحة والذي أفاد فيه انه بلغ إلى علمه بأنه وقع منذ شهر مارس 2016، توجيه رسالة إلى وزير الصحة لإعلامه بحالات وفاة وإعاقات دائمة لمرضى وقع تخديرهم موضعيا بمادة vacaine من صنع أحد المخابر التونسية.
وكشف ذات البيان انّ بعض الحالات قد سجلت في مستشفيات مختلفة من تراب الجمهورية بأعداد لافتة منذ أن فاز هذا المخدر بمناقصة الصيدلية المركزية وأصبح المصنف الوحيد المعتمد بالمستشفيات.
وأضاف البيان انه ورغم صيحات فزع أطباء التخدير و تحذيرهم من هذا الدواء ودعوتهم الوزارة للتثبت منه إلا أن نداءاتهم لم تلق سوى التجاهل. فمن الأطباء من يمتنع عن التخدير الموضعي و منهم من يواصل استعمال هذا «البنج» مادام ليس لهم خيار سواه بما يعرض المرضى لمخاطر كبرى من وفاة أو شلل دائم.
ونظرا لخطورة هذه المسألة المتعلّقة بالصحة العمومية التي تعتبر من إحدى ركائز ومقومات بناء الدولة، ارتأت أخبار الجمهورية الغوص في خبايا هذا الملف عبر الاتصال بالعديد من الأطراف فكان التالي...

 سفيان السليتي على الخط

في إطار التأكد من صحة ودقة كل المعطيات التي ننشرها وفقما دأبت عليه أخبار الجمهورية اتصلنا بالناطق الرسمي باسم المحكمة الإبتدائية بتونس سفيان السليطي، لاستفساره عن حقيقة قضية ما يعرف بـ«البنج الفاسد» التي رفع الستار عنها القاضي الرحموني فأكّد لنا محدّثنا أنّ النيابة العمومية قد فتحت بالفعل بحثا تحقيقيا حول هذه القضية وأنّ قاضي التحقيق بالمكتب الرابع قد تعهد بالملف وهو ما يعني صحة المعطيات القضائية التي أوردها رئيس المرصد التونسي للقضاء السيد أحمد الرحموني..

فضائح بالجملة.. ووفيات بالتفصيل

ومن جهة أخرى تحصّلت أخبار الجمهورية حصريا عن معطيات هامة حيث كشفت مصادرنا الطبية انّ وزارة الصحة أصدرت منذ 6 أشهر منشورا طالبت عبره كل المصحات الخاصة والمستشفيات العمومية بسحب 4 كميات من «بنج» ثبت افتقاره للشروط الفنية السليمة بعد تبيّن وجود خطأ في تركيبته من شأنه تهديد سلامة المرضى ..
وبشأن الظروف الحافة باستعمال «البنج الفاسد» أكّد مصدرنا انه يعطي مفعوله العادي عند إجراء العملية إلا أن المريض بعد إفاقته لمدة تتراوح بين 24 الى 48 ساعة يدخل في غيبوبة تؤدي به إلى الموت وهو ما حصل لعدد من الضحايا على شاكلة حالة الطفلة التي توفيت أثناء إجرائها عملية جراحية على مستوى العين..
كما اعتبر مصدرنا في إطار حديثه عن «البنج الفاسد» أن هذه القضية ستكشف عن تقصير العديد من الأطراف في عدم متابعتهم الكافية والدقيقة بظروف جلب الأدوية والتمعّن في مطابقتها لمعايير السلامة الطبية، وتطرّق  إلى حادثة  اختفاء كمية كبيرة من مخدّر «الكيتامين Ketamine» من مخازن الصيدليّة المركزية منذ سنة 2013 حسب مراسلة من فرقة مكافحة المخدّرات مؤرخة في 5 مارس 2013.
 هذا المخدّر الذي تمّ اكتشافه سنة 1962 على أنه مخدّر قويّ قادر على إحداث هلوسات خطيرة في ما يعرف بتجارب القرب من الموت حيث تدفع مستهلكها إلى ارتكاب أبشع الجرائم دون أن يطرف له جفن.
ورجّح انه من بين أسباب اختفاء هذا المخدر (الذي يخضع لمراقبة شديدة عند الاستهلاك والتزويد في إطار استعمالاته الطبية) السعر الباهظ للحقنة الواحدة منه في الخارج، حيث كشف لنا محدثنا أن بعض الأشخاص يعمدون إلى شراء حقنة الكيتامين التي تباع في تونس بما يقارب الـ 3200 مليم لبيعها في الخارج بسعر مرتفع جدا يناهز الـ600 دينار للحقنة الواحدة فقط..

ماهو مخدّر الفاكايين؟

هو مخدّر موضعي يتم حقنه في النخاع الشوكي خلال العمليات الجراحية التي تستهدف النصف السفلي للمريض كعمليات الولادة، وكذلك يستعمل للأشخاص الذين لا يحتملون «بنجا» كاملا.. ووفق ما كشفه لنا الدكتور لطفي المرايحي الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري فإنّ هذا المخدر كان في السابق يتم جلبه من الخارج قبل ان يربح مصنّع تونسي للأدوية مناقصة خوّلت له توزيع هذا المخدر الذي يتم تصنيعه من قبله والذي تبيّن تسببه في عدد من حالات الوفيات والإعاقات النصفية..
كما أكد لنا الدكتور المرايحي انّ نوعية المخدّر الذي تحدّث عنه القاضي احمد الرحموني وهو من نوع «البروبوفول» لا يمت بأي صلة إلى قضية ما يسمى بالبنج الفاسد ذلك انّه تبين أن مخدر البروبوفول تعلقت به مشاكل على المستوى العالمي وقد أُمر بسحب كمياته من جميع المؤسسات الصحية،  كما انّ القضية متعلقة بمخدر الفاكايين الذي أشرنا إليه..
وفي ختام تصريحه توجه محدثنا برسالة مفادها ان محاربة الفساد واجب لكن من منطلق التحلي بالمسؤولية..

وزارة الصحة على الخط...

في المقابل وفي إطار الشفافية ودقة نشر المعطيات اتصلنا بوزارة الصحة لاستبيان موقفها من المعطيات المتداخلة في هذا الشأن فكان لنا في البداية مداخلة مع الدكتور أنيس قلوز الذي اعتبر أن القضية التي طرحها القاضي احمد الرحموني بخصوص مخدر «البروبوفول» مفتعلة وليس لها أي أساس من الصحة وفق تعبيره..
وتساءل محدّثنا عن الأسباب الحقيقية لافتعال قضية البروبوفول في هذا الوقت بالذات خاصة وأنها موجودة منذ ديسمبر 2014 أي قبل حتى الإعلان عن حكومة الحبيب الصيد، مؤكدا أن مخدر البروبوفول الذي تقوم كندا بتصنيعه وفق معايير ومواصفات عالمية تم اكتشاف خلل في بعض دفعاته التي تم الأمر بسحبها من كل المصحات والمستشفيات بالعالم..
وأكّد المستشار انّ وزارة الصحة سحبت دفعات مخدّر البروبوفول المذكورة في ذات اليوم الذي سحبت منه في كندا حرصا منها على سلامة صحة المواطن التونسي التي تضعها في أعلى هرم أولوياتها..
في المقابل أشار محدّثنا إلى انّ وزارة الصحة تحترم القضاء ولها ثقة كبيرة فيه وتتابع كل حيثيات القضايا المنشورة أمامه والتي تخص هذه المسألة..
وفي ما يتعلّق بمسألة مخدر «الفاكايين» التي طرحها حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، أكّدت لنا الدكتورة إيناس فرادي مديرة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة انّ الوزارة وصلتها عدة تشكيات بخصوص هذه المادة أولها جاءت عن طريق مراسلة بعث بها مستشفى سهلول بسوسة وايضا من قبل المستشفى العسكري..
وصرحت الدكتورة إيناس انّ وزارة الصحة واثر توجيه إدارة مستشفى سهلول تلك المراسلة إليها وبعد الاطلاع على فحواها تم بعثها إلى المركز الوطني لليقظة الدوائية والذي قام بدوره ببحث مدقق ومعمق على عين المكان سواء في مستشفى سهلول أو بعض المستشفيات الأخرى التابعة لذات الدائرة..
وقالت انه وإثر القيام بجملة من التحاليل تبيّن ان نسبة الأعراض السلبية التي أحدثها الفاكايين لا تجاوز النسبة المتوقعة عند استعمال المخدّر، مشيرة إلى أن الوزارة علمت بأن إدارة التفقد الصيدلي  بدورها أخذت عينات من هذا المخدّر وأرسلتها إلى المخبر الوطني لتفقد الأدوية للقيام بالتحاليل والإجراءات اللازمة لكن تبيّن انه مطابق لمعايير السلامة الصحية..
في نهاية مداخلتها أكدت مديرة الصيدلة والدواء أنّ الوزارة تعكف حاليا على متابعة كل حيثيات هذا الملف وتقوم بالاستماع إلى جميع الأطراف المتداخلة في هذا الشأن..